Project

أين يمكن أن تجدنا؟, ٢٠٢٣

فيديو رقمي بدقة 4K، مدته 43:35 دقيقة.

أين يمكن أن نجدنا؟ فيلم وثائقي تجريبي قصير يجمع بين لقطات طبيعية، ورسوم متحركة ثلاثية وثنائية الأبعاد، ومقابلات. يستكشف الفيلم الحالة المعاصرة لأشجار الأرز اللبنانية (Cedrus libani)، ويتعمق في البيئات المعقدة التي تعيشها وتشاركها. يروي الفيلم السرديات التاريخية المتداخلة للأرز، الذي طالما كان رمزًا للأبدية والخلود. ومن خلال تتبع التأثيرات البشرية، بدءًا من تغير المناخ والسياحة الاستخراجية إلى استخدام الشجرة كرمز مدني لبناء هوية لبنانية وهمية، يعيد المشروع تصور الأرز ككائن مستقل، مفككًا عن التفسيرات الوطنية والثقافية والبيئية التي غالبًا ما شوهته. يعكس العمل بشكل نقدي تداخل الإرثين، الاستغلالي والمقاوم، بينما يعيد التفكير في الأرز ككيان حي ضمن نظام بيئي مشترك

مذكرات الأرز: تاريخ الإنسانية والمقاومة

كان العالم الطبيعي دائمًا متشابكًا مع وجود الإنسان، حيث يشكّلنا ونشكّله في رقصة مستمرة ومتبادلة. إنه نظام بيئي نعيش فيه، وفي الوقت نفسه قوة تعرّفنا، مما يطمس الخطوط الفاصلة بين الإنسان وغير الإنسان، وبين الفرد والمجتمع. ومن بين الكائنات غير البشرية التي تذيب هذه الحدود، تقف أشجار الأرز اللبنانية (Cedrus libani) كشاهد حي على تاريخ هذا المشهد.

تُعرف أشجار الأرز بجمالها وقدرتها على الصمود، وقد احتُفي بها طويلاً كرمز للأبدية والقوة والخلود. ومع ذلك، خلف هيبتها وجلالها، يكمن إرث معقد من التقديس والاستغلال والتهميش وسوء الفهم—إرث بدأ في العصور القديمة وما زال مستمرًا حتى يومنا هذا.

أين يمكن أن نجدنا؟ يعيد النظر في هذا الإرث، حيث يكشف الطبقات التاريخية والرمزية التي تحملها أشجار الأرز. يغوص العمل في الأبعاد البيئية والثقافية والسياسية للأرز، مفككًا هويته كرمز وطني عن واقعه ككائن غير بشري مهدد بالانقراض. في القيام بذلك، يدعونا المشروع لرؤية الأرز ليس كرمز جامد في السرديات البشرية، بل ككائن مستقل ومشارك في تشكيل هذا العالم الذي نتشاركه جميعًا.

غابة متناقصة

كانت أشجار الأرز اللبنانية (Cedrus libani) تمتد عبر مساحات شاسعة من شمال فلسطين إلى جنوب تركيا. أما الآن، فلا توجد إلا في تجمعات متفرقة. لقرون، ألحقت إزالة الغابات، والإهمال، والاضطرابات السياسية ضررًا بالغًا بهذه الأشجار، مما قلص غاباتها إلى بؤر صغيرة في لبنان وشمال سوريا وجنوب تركيا. حتى في المناطق المحمية المخصصة للحفاظ عليها، تواجه أشجار الأرز تحديات بيئية كبيرة. يؤدي الازدحام البشري في مواقع السياحة البيئية إلى تعطيل تجدد الغابات، بينما يؤدي تغير المناخ إلى اضطراب الظروف الملائمة لنمو الأشجار، مما يسرّع من تدهورها. درجات الحرارة المرتفعة، وشتاء أكثر جفافًا، وزيادة تعرضها للآفات الغازية، كلها أجبرت أشجار الأرز على الهجرة إلى ارتفاعات أعلى. هذه الهجرات، التي تذكر بحركات الأشجار بعد العصر الجليدي الأخير، تحدث اليوم بوتيرة غير مسبوقة نتيجة التغير المناخي الذي سببه البشر. ومع تكيف الأشجار مع الظروف الأكثر قسوة، يتضاءل حجمها، وتزداد جذورها عمقًا في الأرض، مما يعكس كفاحًا من أجل البقاء يعبر عن أزمة بيئية أوسع.

تناقضات الحماية

تمتلئ الجهود المبذولة للحفاظ على أشجار الأرز بالتناقضات. تُزرع الشتلات في مختبرات تحت ظروف محكومة، وتُغذّى بالطاقة من مولدات خاصة في بلد يعاني من نقص متكرر في الكهرباء. وبينما توفر هذه المبادرات بارقة أمل، فإنها ليست سوى حل صغير لمشكلة أوسع تتعلق بالتدهور البيئي، مما يسلط الضوء على الظروف غير الطبيعية التي تواجهها الأشجار للبقاء على قيد الحياة.

تعمل حدائق الأرز، التي أُنشئت بعد الحرب الأهلية اللبنانية، كمواقع للحفاظ على البيئة، لكنها تُستخدم أيضًا كأدوات للترويج السياسي. وبينما تسلط هذه الحدائق الضوء على محنة الأرز، فإنها تخفي في كثير من الأحيان مشاكل أعمق تتعلق بسوء إدارة البيئة واستغلالها. وعلى الرغم من أن إعادة تأهيل الأرز بشكل رمزي تحظى بدعم شعبي، إلا أنها لا تعالج الأنظمة البيئية والثقافية التي تواصل تعريض الأشجار للخطر


الأرز كلاجئ بيئي

مع سعي أشجار الأرز اللبنانية للهجرة إلى ارتفاعات أعلى للبحث عن أراضٍ تمكنها من البقاء، تصبح كائنًا لاجئًا بيئيًا، مُهجّرًا بفعل الأنظمة نفسها التي تمجدها كرمز للفخر الوطني والصمود. مدفوعة بتغير المناخ والتوسع العمراني الذي يدمر موائلها، تجد أشجار الأرز نفسها غير قادرة على الاستقرار في تربة تم تحويلها واستغلالها، وهي مشغولة بهياكل معمارية مخصصة للترفيه والرفاهية. تمزق منتجعات التزلج النظم البيئية الهشة، وتغلق المجتمعات الخاصة والقصور مساحاتها الطبيعية، وتزيد المطاعم ومراكز الترفيه من التدخل البشري والبنية التحتية التجارية عبر أراضيها التي كانت مزدهرة يومًا.

هذه المساحات المصممة للراحة والربح البشري لا تترك مجالًا كبيرًا للأرز لإيجاد جذور جديدة، مما يزيد من نضالها من أجل البقاء وحقها في الوجود. تعكس هذه الهجرة الصعودية التاريخ الطويل لاستغلال الأرز، حيث لا يزال الكفاح من أجل مكانه في مشهد يهيمن عليه الطموح البشري. تعبر محنة الأرز عن نماذج أوسع من التهجير الذي تواجهه المجتمعات المهمشة، سواء البشرية أو غير البشرية، مما يبرز الترابط بين الأزمات البيئية والاجتماعية. ومع تراجع وجود الأرز، يتضاءل التنوع البيولوجي والتراث الثقافي الذي يحمله.

الأرز كرمز للهوية السياسية

لطالما حمل الأرز اللبناني أعباء السرديات البشرية. من الأساطير القديمة إلى بناء الأمة في العصر الحديث، تم التلاعب به في أدوار لم يختارها. أصبح رمزًا للانتماءات الطائفية—الأرز للموارنة، وأشجار الصنوبر للدروز، وأشجار الحمضيات للشيعة—تعكس الانقسامات الاستعمارية المفروضة على شعوب وأراضي لبنان.

تم استغلاله أيضًا من أجل المكاسب المادية والسياسية، حيث تم تحويل جوهره إلى سلعة تُستخدم كأداة للسلطة والربح. يظهر هذا الاستغلال التاريخي في ملحمة جلجامش، التي تسرد القصة المدمرة لقطع غابات الأرز في جبل حرمون كعلامة على انتصار الإنسان على الطبيعة. لاحقًا، استغل الفينيقيون الأشجار كمورد أساسي لبناء إمبراطوريتهم البحرية، مما وضع سابقة لقرون من إزالة الغابات بدافع التجارة. لا يزال لبنان الحديث يحتفي بهذه القصة بوصفها نجاحًا رياديًا، بينما يواصل تسليح أشجار الأرز كحواجز أيديولوجية وجسدية تحدد القواعد العسكرية والممتلكات الفاخرة.

نحو علاقات جديدة

قصة الأرز اللبناني هي في جوهرها انعكاس لعلاقة الإنسانية بالعالم الطبيعي. يعكس تدهوره، الناتج عن قرون من الاستغلال، الأزمة البيئية الأوسع التي تواجه عصرنا. ومع ذلك، فإن نضال الشجرة من أجل البقاء يقدم فرصة حيوية وملحّة لإعادة النظر في هذه العلاقة.

للاحتفاء بالأرز حقًا، وبكل المناظر الطبيعية، يجب أن نبتعد عن اعتبار النظم البيئية موارد للمكاسب المادية والسياسية أو رموزًا للهرمية الاجتماعية والثقافية والدينية. تطالب القصص المتقاطعة والمستمرة منذ آلاف السنين للأرز بمكانه في نظام بيئي مشترك، ليس فقط في لبنان، بل عالميًا. إنها تطالب بدوره في الحفاظ على التوازن البيئي والأجزاء من هذا العالم التي قد نفقدها إلى الأبد على حافة انهيار المناخ.


من خلال تغيير منظورنا، يمكننا إصلاح العلاقات التي تدعم كلًا من الأرز والبشرية. مرونة الشجرة، رغم أنها مذهلة، لا يجب أن تعفينا من مسؤولية حمايتها. بدلاً من ذلك، يجب أن تلهمنا لإعادة تصور دورنا في العالم الطبيعي— ليس كغزاة أو مستغلين، بل كشركاء في العيش.


لم يكن لهذه العمل أن يكون لولا الدعم الكريم من منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق (٢٠٢٠)، وسلسلة شاشات المتحف الجديد.

“سلسلة الشاشات: هجرات بيئية – إيكُروف” القيّم عليها إيان والاس، مساعد قيّم فنّي.

الراوي

إياد أبو غيدا

إدارة المشروع

جمانة عباس

التصوير السينمائي

أم جوزيف

تسجيل الصوت

أم جوزيف

مساهمات كتابية من

رانيا المصري و رولا خياط

المسيقى الأصلية

فرانسيس تشانغ

تحريك الرسوم

روني أبو غيدا و إياد أبو غيدا

الترجمة

جمانة عباس, فواز أبوغزالة, إياد أبو غيدا, و أحمد زيدان

مستشار التحرير

فيبي أوزبورن

محررو الكتابة

لوريل أتويل, جوانا جوزيف, و لينزي روبرتسون

تركيز الإطار

رومكي هوغويرتس

تلوين

أم جوزيف

تصميم الخط

ستيفن ديكر

خلط الصوت وإتقانه

أندريا شيافيلي & دان سيغلر

تقنية التعليق الصوتي

إريك موندت

شكر خاص

مطعم الأرز, حمد المزيني, خالد التميمي, ماجدة بو داغر خراط, ماري تشيزمان, ماثيو تشيزمان, كريستينا الهبر, الياس الحاج, كارينا الحاج, أنيس فياض, ج. فياض, بهاء فليحان, نزار هاني, دارين حطيط, سيباستيان جيميك, جانيت جوزيف, جانو كوردزايا, جذور لبنان, داني لوي, شركة كاليه كوفي, أنطوني خوري, سوزي لابا, وزارة الثقافة اللبنانية, إنكوسي لوي-تشيزمان, تيفويلنجي لوي-تشيزمان, جورجيا ماكغفرن, مطعم بول في حصرون, جياكومو روسي, مهدي صباغ, باس سمعان, رنا سمارة الجبيلي, هاشم سركيس, كريستين شيا, نجوى صياغة, محمية الشوف المحيط الحيوي, إيان والاس, مارك واسيوتا, متحف ييل بيبودي للتاريخ الطبيعي, و أكسيل الزمولي